لبنان على مفترق طرق اما الانقاذ كمدخل للوطن واما الفشل كمعبر للهاوية
لا بد للقوى اليسارية والوطنية والديمقراطية بمختلف اطرها وتشكيلاتها، وللحركة الشعبية والنقابية المناضلة من تحصين الحكومة في المجال الوطني لحماية المقاومة والتصدي للمشروع الاميركي - الصهيوني، وفي المقابل تشكيل قوة ضغط عمالية وشعبية لانجاز تغيير جدي في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تحقيق المصالح الطبقية للجماهير الشعبية، بحماية القطاع العام وتطويره ورفض الخصخصة، والحد من دور المصارف التي حققت الارباح الخيالية من اموال الدولة والشعب عبر سندات الخزينة، وخفض الاسعار ومراقبة الاسواق وضرب الاحتكارات وتصحيح الاجور، وتطوير الخدمات التعليمية والصحية، والاهتمام بدعم القطاعات الانتاجية وخاصة الصناعة والزراعة، والاهتمام بالثروة المائية ومشاريع انتاج الطاقة والري، وبذلك فقط نبني اقتصاد وطني قادر على مواجهة التحديات، ويؤمن الحد الادنى من العدالة الاجتماعية.

لبنان على مفترق طرق اما الانقاذ كمدخل للوطن واما الفشل كمعبر للهاوية

بقلم الرفيق محمد حشيشو

اما وقد اسقط حكم الوصاية الاميركية والدولية المباشرة على لبنان، واخرجت الحريرية السياسية ومعها قوى اليمين الرجعي والفاشي من السلطة، وخسر التحالف الامبريالي – الغربي رأس حربته المحلية، يمكننا القول ان حقبة سوداء من تاريخ لبنان السياسي يفترض ان تنطوي.

في المقابل، اما وقد رشحت قوى المعارضة الوطنية الرئيس نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة الجديدة، وبما ان التكليف تم بناء على نتائج الاستشارات النيابية الملزمة ولو على وقع “غضب الاهالي”، وبما انه من الواضح ان الحكومة العتيدة ستكون حكومة من لون واحد وهذا امر ايجابي، فيمكننا القول ان مرحلة جديدة من تاريخ لبنان السياسي يفترض ان تبدأ.

لقد اثبت الفريق الحاكم السابق انه لا يمتلك الحد الادنى من الاستقلالية كما يدعي، فرغم كرم قوى المعارضة معه في تلبية الكثير من الشروط – المطالب للموافقة على التسوية السورية – السعودية، ورغم اعلان استعدادها للبحث في الشروط – المطالب الاخرى، الا ان استجابته للقرار الاميركي في تعطيل التسوية في اللحظة الاخيرة كلفه الثمن الباهظ وهو خروجه من السلطة.

من جهة اخرى، اتى توافق المعارضة على الرئيس نجيب ميقاتي في سياق مناخ سياسي شديد التعقيد، ولاعتبارات دقيقة، فهو من ناحية موسوم بالوسطية وان كان على ضفاف قوى 14 آذار، ومن ناحية ثانية يرتبط بشبكة علاقات واسعة تمتد من السعودية وسوريا ولا تنتهي في باريس وواشنطن، وهذا الامر شجع بعض الدول العربية والغربية على القبول به كتسوية تضمن لهم المصالح ولا تخرجهم من الساحة اللبنانية مع خروج الحريري وفريقه من الحكم، كما ان هذه الموافقة استهدفت قطع الطريق على وصول شخصية الى رئاسة الحكومة من موقع المعارضة المباشرة لا تقيم وزنا لشبكة المصالح الغربية، ولا تقدمها على المصالح الوطنية اللبنانية.

وبما ان الحكم على حكومة الرئيس ميقاتي وتوجهاتها الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية يكون على ضؤ عملها، الا انه من الواجب التنبيه الى الثوابت الاساسية التي عليها وضعها نصب اعينها، لانها هي نفسها الثوابت التي تخلى عنها الفريق الحاكم واسقطته.

اولى هذه الثوابت هي حماية المقاومة خيارا وسلاحا باعتبارها القوة الوحيدة المؤهلة للدفاع عن الوطن والشعب في وجه العدوان الاميركي – الصهيوني المستمر على لبنان، خاصة ان الدول الغربية ومعها الاعتدال العربي ترفض حتى الآن تزويد الجيش اللبناني بالسلاح المناسب لردع العدوان. والمدخل الضروري لحماية المقاومة وتحصينها يكون بفك ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية نهائيا كونها تمثل، الى جانب دورها المباشر باستهداف المقاومة، احد وجوه الوصاية الاميركية والدولية على لبنان، الرفض الواضح لاي قرار اتهامي يصدر عن هذه المحكمة، والبت بملف شهود الزور.

والثابتة الثانية تتمثل بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، اذ على الحكومة الجديدة التراجع عن نهج الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد الطائف في هذا المجال والمنفذة لشروط واملاءات المؤسسات المالية العالمية وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، والشراكة مع الاتحاد الاوروبي، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وتبني النهج الاقتصادي النيوليبرالي، هذه السياسات التي ادت الى التدني المريع في مستوى المعيشة والخدمات الاساسية الذي يعانيه معظم اللبنانيين.

اما ثالث الثوابت فتتركز في الجانب السياسي، اذ لا يجوز الحديث عن تغيير نسبي في لبنان عبر اسقاط الفريق المرتبط بالمشروع الاميركي والغربي مع الابقاء على مفاعيل هذا الفريق التي كرسها طوال سنوات حكمه المديد، فالتخريب طاول الادارات والمؤسسات الرسمية، وانشاء الادارات الرديفة، وغرف التحكم في الوزارات لمستشاري المؤسسات الدولية، وتعميم حالة الفساد، وضرب الاقتصاد المنتج. فالمدخل للتغيير بحده الادنى يفترض تصفية آثار المرحلة السابقة، ومحاكمة المرتكبين والمعتدين على اموال الدولة والشعب ومحاكمتهم، واسترداد الاموال المنهوبة، ووضع قانون النفط موضع التنفيذ خارج المحاصصة الطائفية والمالية ولمنع العدو الصهيوني من سرقة ثرواتنا الوطنية، واستثمار عائدات النفط والغاز في برنامج شامل للتنمية يطال مختلف المجالات والمناطق، وخاصة الارياف والمناطق المحرومة تاريخيا لتثبيت اللبنانيين في ارضهم ومناطقهم وعدم دفعهم للهجرة قسرا الى المدن واحزمة البؤس، ولاحقا الى خارج لبنان، كما ان التنمية الحقيقية هي وحدها الكفيلة بفك الارتباط بين المرجعيات المالية والطائفية وبين الفئات الشعبية التي تستخدم وقودا للفتن المذهبية والصراعات الداخلية.

كما ان هذه الحكومة مطالبة، وبسرعة، باقرار قانون انتخابي ديمقراطي يؤمن صحة التمثيل الشعبي، يقوم على النسبية والدائرة الواحدة وخارج القيد الطائفي، والحد من تأثير المال والاعلام الخاص على آراء الناخبين ونتائج الانتخابات. كما ان تنفيذ البنود الاصلاحية في اتفاق الطائف وتحديدا تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية وانجاز عملها شرط لا بد منه لتصويب ولاء الشعب اللبناني للوطن على حساب الولاءات الطائفية والمذهبية.

قد تكون الآمال المعلقة على الحكومة الجديدة طموحة، ولكنها بحجم الآلام التي يعانيها غالبية الشعب اللبناني. ولتحقيق بعض الاهداف لا بد للقوى اليسارية والوطنية والديمقراطية بمختلف اطرها وتشكيلاتها، وللحركة الشعبية والنقابية المناضلة من تحصين الحكومة في المجال الوطني لحماية المقاومة والتصدي للمشروع الاميركي – الصهيوني، وفي المقابل تشكيل قوة ضغط عمالية وشعبية لانجاز تغيير جدي في التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تحقيق المصالح الطبقية للجماهير الشعبية، بحماية القطاع العام وتطويره ورفض الخصخصة، والحد من دور المصارف التي حققت الارباح الخيالية من اموال الدولة والشعب عبر سندات الخزينة، وخفض الاسعار ومراقبة الاسواق وضرب الاحتكارات وتصحيح الاجور، وتطوير الخدمات التعليمية والصحية، والاهتمام بدعم القطاعات الانتاجية وخاصة الصناعة والزراعة، والاهتمام بالثروة المائية ومشاريع انتاج الطاقة والري، وبذلك فقط نبني اقتصاد وطني قادر على مواجهة التحديات، ويؤمن الحد الادنى من العدالة الاجتماعية.